النهي عن الغش في الإمتحانات

بسم الله الرحمـن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 أما بعد، أعزائي الطلبة بالتعليم العتيق:

وأنتم كذلك طلاب علم، وهو مقام تكليف وتشريف; فأما قولنا مقام تكليف فلقوله U { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴿١٢٢﴾} سورة التوبة. فبالعلم يعرف الله وبالعلم يعبد الله وأما قولنا مقام تشريف فلحديث صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ الْمُرَادِيَّ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ، يَقُولُ: « مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ يَطْلُبُ الْعِلْمَ إِلا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا، رِضًا بِمَا يَصْنَعُ ». فهذا الحديث يحث على الرحلة في طلب العلم تقربا إلى الله U، وذلك لا يكون بالحرام والخبيث قال U { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿٢٦٧﴾ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّـهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٢٦٨﴾ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٢٦٩﴾} سورة البقرة. أي: لا تعدلوا عن الحلال، وتقصدوا إلى الحرام، فتجعلوا نفقتكم منه فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، فالعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ونذكر هاهنا الحديث الذي رواه أبي هريرة t  أن رسول الله ﷺ قال: «  مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّا »، رواه المنذري في الترغيب. والمقصود من الحديث ذم الغاش، وأنه ليس على سنن وطريقة وصفات المسلمين، والتي منها: الأمانة والصدق مع الآخرين، وعدم غشهم. وأما أسباب الغش في الإمتحان فإثنان لا ثالث لهما: الأول انعدام الثقة بالنفس، بحيث نجد الطالب لديه الإجابة لكنه يستعمل وسائل الغش ليتيقن من الجواب، وهذا نوع من الغش. وأما السبب الثاني فهو التقاعس والتهاون والتكاسل عن المذاكرة والمراجعة إلى درجة اللامبالاة منتظرا عون الأستاذ في اجتياز الإمتحان بسلام. ونذكر في هذا المقام أنه من حق الطالب شرعا بعد أن يطلب عون الله، أن يطلب عون الأستاذ في الحصول على نقط عالية في الإمتحان الأصغر، لكن عليه أن يجتهد ويبدل وسعه أولا اقتداء بالسلف الصالح، فعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ t قَالَ: « كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ»، رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وأما أنا فالحق أقول أعني على نفسك بكثرة المذاكرة والمراجعة لدروسك. ونختم بقوله U { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴿٥٥﴾} سورة الذاريات، وقال I: { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ ﴿٩﴾ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ﴿١٠﴾ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴿١١﴾} سورة الأعلى. فالحق أقول لكم من نقل انتقل إلى جوار ربه فعذب بذنبه. واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين آمين. 


عرض بعنوان: في قراءة الكتب..

 

﴿ بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5} كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ {6} ﴾ (سورة العلق). إقرا هي أول ما نزل من القرآن على سيدنا محمد ﷺ ، وهي السورة الوحيدة فيه التي ترد فيها كلمة إقرأ بهذا المعنى وهو الدعوة إلى المعرفة ( وهي دعوة موجهة إلى جميع بني الإنسان بدليل اقتران القراءة بالقلم )، والقراءة بهذا المعنى كشف مستمر. وهذه آية تشحذ طموح الإنسان وتفتح أمامه آفاق في القراءة من المهد إلى اللحد.

إن القلم والكتابة أعظم ابداع للإنسان في رحلة المعرفة، فبالقلم أقسم رب العالمين ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُون ﴾ ( سورة القلم - الآية1 ). فالله مقسم بما هو ذو فائدة وخير لمخلوقاته. ولا بدى للقارئ من أن يتمسك بأداة المعرفة الأولى في جميع مراحل المعرفة وهي اسم الله U لقوله ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾، وهذا لا يعني البسملة بقدر ما يعني المنطلق الإيماني، فهي المقدمة الكبرى الصحيحة والضرورية للوصول إلى النتائج السليمة، أما المقدمة الثانية والضرورية للإرتقاء المعرفي فهي القلم، وتلك ابداع بشري ومنحة إلهية، ومادامت المعرفة لا تنتهي إلا بموت الإنسان فالبحث عنها مستمر، والقراءة مستمرة.

إن ساعة واحدة تقضيها بين الكتب كفيلة بأن تبدد ما يخالجك من هم، وتسبح بك مع الكاتب في عوالمه الواسعة، فتشعر عند المطالعة ببهجة كنت لا تدرك حقيقتها، إذ تنفتح أمامك آفاق جديدة، حتى ليخيل إليك أن حياتك تتسع وتمتد .

وفي هذا المعنى قال الشاعر أبو الحسن) ت  392ه :(

ما تطعمت لذة العيش حتى         صرت للبيت والكتاب جليسا

ليس عندي شيء الذ من ال         علم  فما  ابتغي  سواه أنيسا

وقيل لبعض الحكماء« ما بلغ من سرورك بكتبك ؟ فقال هي إن خلوت لذتي. وإن اهتممت سلوتي. وإن قلت: إن زهر البستان ونور الجنان يجلوان الأبصار ويمتعان بحسنهما الألحاظ. فإن بستان الكتب يجلو العقل ويشحذ الذهن ويحيى القلب. ويقوي القريحة ويعين الطبيعة ويبعث نتائج العقول. ويستثير دفائن القلوب ويمتعد في الخلوة ويؤنس في الوحشة ويضحك بنوادره ويسر بغرائبه ويفيد ولا يستفيد ويعطي ولا يؤخذ وتصل لذته إلى القلب من غير سامة تدرك ولا مشقة تعرض لك » .

ومما ينصح العلماء به طالب العلم أن يأخذ من وقته سويعات يجم بها نفسه في رياض العلوم من بطون الكتب عملا بالقول المأثور عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب t قال»: أجموا هذه القلوب. وابتغوا لها طرائف الحكمة فإنها تمل كما تمل الأبدان[1]« . وقال الشاعر :

نعم المؤنس والجليس كتاب         تخلو به إن ملك الأصحاب

لا  مفشيا  سرا  ولا  متكبرا         وتفاد  منه  حكمة  وصواب

رحم الله السلف الصالح y إذ كانوا على دراية تامة بأهمية القراءة والمطالعة في اثراء كل صنوف المعرفة فجمعوا بين متعة المطالعة. ومطالعة المتعة. فالقراءة جولات ممتعة في دهاليز العقل البشري. قال الخطيب  »لى طبق يعرضه على الناس.:من صنف فقد جعل عقله ع[2]«

  وأي متعة تلك حيث تتلاشى حدود الزمان والمكان وآداب الإستئذان، بتجوالك عبر العصور والأمصار، والاتصال بالمصنف الذي يقبل عليك غير مدبر عنك ساعت شئت بكل وجدانه وفكره موثقا صلته بك، وحسبك ما في ذلك من صلة للرحم وما ينجم عنها من فوائد لقولهI  ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ (سورة :الحجرات -الآية 13).

وما أشبه هذا بالرحلة في طلب العلم عموما وطلب الحديث خصوصا، فالمحدثون اعتبروا الوجادة صورة من صور تحمل الحديث ꞌꞌ والوجادة هي أخذ العلم من صحيفة من غير سماع ولا إجازة ولا مناولة ... فلولا الوجادة لا نسد باب العمل بالمنقولꞌꞌ.[3]

وقديما قيل): كل علم ليس في القرطاس ضاع ). وقال الإمام أبو الفرج عبد الرحمان بن الجوزي ( توفي سنة597 ه ) فيما يشبه ذلك: « رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف أكثر من نفع التعليم بالمشافهة; لأني  أشافه عمري عدد من المتعلمين، وأشافه بتصنيفي خلقا لا تحصى ما خلقوا بعد« ...[4].

ولعل فيما قيل ما يلقي بعض الضوء على الحكمة من فعل الرسول ﷺ الآتي: روى الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم قال :قال داود: حدثنا عكرمة عن ابن عباس قال: « كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله ﷺ فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة  [5]

فبالكتابة وثق إرث اللاحقين من علم السابقين، إذ الموت طارئ والنسيان عارض والكتابة أمان والكتاب إمام لتابعين بإحسان .

ولهذا تشدد الفقهاء في حكم غلول الكتب. فعن يونس بن يزيد قال»: قال لي الزهري يا يونس إياك وغلول الكتب. قال: قلت وما غلول الكتب ؟.. قال: حبسها على أصحابها[6] وقال مجاهد t: « سرقة صحف العلم مثل سرقة الدنانير والدراهم ». وقال أبو بكر الخطيب: « ولأجل حبس الكتب امتنع غير واحد من اعارتها واستحسن آخرون أخذ الرهن عليها من الأصدقاء ثم قال : أنشدنا محمد ابن خلف :

  أعر الدفتر للصاحب        بـــــالــــرهن الـــــوثي

     إنه    ليس    قبيحا       أخذ الرهن من الصديق »

ولشرف الكتاب وفضله كان السلف من العلماء يعلم طلابهم حسن الآداب مع الكتاب إذ يقول الشيخ لتلميذه: « إذا تصفحت الكتاب تصفحه برفق لئلا يتمزق »، وأيضا « احذر أن تكتب على كتابك على هامشه أو بين سطوره مما يطمس الأصل ».

ومطالعة الكتب مما ينبغي لطالب العلم أن يهتم به، ولكن كيف ينبغي أن تكون المطالعة؟ وأية شروط يجب أن تتوافر فيها؟

أولا إليك كيف تختار كتابا للمطالعة :

1 - لابد من توجيه ومساعدة على اختيار الأنسب والأنفع لك، فلا تقرء كل ما تطبعه المطابع دون تمييز، لأن قراءة ما هو نافع فضلا عما لا نفع فيه أو فيه ضرر سيفوت عليك قراءة ما هو أنفع لك .

وأنصحك بالرجوع إلى أساتذتك لأن الكتب لا تخلوا من علل منها التصحيف العارض لسقم الطبعة ( أخطاء مطبعية)، ورداءة النقول ( العزوا إلى المصادر والمراجع)، ومذهب صاحب الكتاب ( معتقده وفكره ).  

ولما ذكرت ولم أذكر كان لابد من متابع ( دليل ) يأخذ بيدك، ويبصرك بمداخل الكتاب، لتنأى عن شبهة تصحيف أو تحريف ( للنقول ) فضلا عن التأويلات الباطلة، والأراء الشاذة المنكرة .

ولهذا قديما كان الطالب يقرء الكتاب المختار على شيخه، ويكفيك اليوم قراءة الكتب المحققة لا سيما لأئمة المحققين.

 2واحرص على الكتب الأمهات الأصول دون المؤلفات الحديثة، والمقصود أن كتب السلف الصالح خدمت ودرست وما اندرست، فكتب عليها الحواشي والتعليقات، كما لخصت وشرحت وشرحت منذ القديم وإلى اليوم دراسة وتحقيقا، فعلمنا بذلك ما فيها من خير وما بها من شر، وقد قيل: ꞌꞌ من فاته الأصول حرم الوصولꞌꞌ .

3 - مطالعة الكتب مع الإنتقاء، عليك البدء بالأهم فالمهم. إذ قال بعض الحكماء: » إن العلم كثير والعمر قصير فخذ من العلم ما ينفعك ودع ما سواه ».

فينبغي أن تعرف موضوع الكتاب حتى تحصل الإستفادة منه، وهذا يكون بقراءة عنوانه أولا ثم فهرسته ثانيا، لأن العنوان قد يكون مبهما أو يوهم شموله للموضوع، وبالمثال يتضح المقال :فكتاب البداية والنهاية لابن كثير عنوانه مبهم لكن نظرة سريعة على الفهرس تبين أنه كتاب تاريخ. وكتاب التبيان في علوم القرآن لصابوني عنوانه يوحي بشموله واستيعابه لجميع مباحث علوم القرآن، لكن جرد سريع لمحتويات الفهرس تدلنا على أنه يتطرق للجانب التاريخي لعلوم القرآن فقط .

فإذا حصل و وافق موضوع الكتاب حاجتك كان أخف على قلبك. فيكون بذلك نفاذك فيه على قدر حاجتك منه، وكذا سهولته عليك.

- 4 لاتبدأ بمطالعة المطولات ( أي الكتب الضخمة في مجلدات أو أجزاء )، إذا كنت مبتدئ فإن جرد المطولات لك هلكة، كرجل لا يحسن السباحة يرمي نفسه في البحر .

 ثانيا : كيف تقرء الكتاب المختار :

 - 1لن تستفيد من الكتاب حتى تعرف اصطلاح مؤلفه فيه، وكثيرا ما تكون المقدمة كاشفة عن ذلك، فإبدأ من الكتاب بقراءة مقدمته، فمثلا قد تقرأ في كتاب:« هذا ما اتفق عليه الشيخان « فتظن أنهما شيخان الحديث البخاري ومسلم. لكن إذا قرأت المقدمة تجد المؤلف ينص على أن مراده بالشيخان هما شيخان التاريخ أبو بكر وعمر     . y

 2الكتاب خير جليس، وأفضل أنيس، فلا تقرأ قراءة الغافل، فعليك عند مطالعة الكتاب تتبع آثره خطوة خطوة، حتى لا يفوتك غرض ولا تغيب عنك فكرة.

إن قيمة مطالعتك للكتاب تتوقف على مبلغ إتقانك لقراءته، فقد تجد أنك عند قراءة الكتاب أول ماتجد أنك تمر بك العبارات تحتاج إلى تأمل وتفكير في معناها، فإذا كررت قراءة الكتاب فهمته، ولهذا فخير لك أن تقرأ مرات متعددة الكتاب حتى تفهمه وتتذوقه من أن تقرأ كتبا كثيرة قراءة سريعة لا تخرج منها بنتيجة. ولا تنسى ما قاله الشاعر :

إن لم تستطع شيئا فدعه        وجاوزه إلى ما تستطيع .

 - 3والقراءة يجب أن يرافقنا القلم في كل حالتها، لندون به على دفتر خاص ما يساورنا من انطباعات وخواطر ونحن نقرأ، وما نعجب به من المقاطع التي تستحق أن ترسخ في الذاكرة .

لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الإحتياج، لاسيما بدائع الفوائد في غير مظانها، ودررا منثورة تراها تخشى فواتها، مما لا تكاد تطرق على الذهن أو التي يندر ذكرها والتعرض لها أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان حكم فيها، هذه اقتناصها قيدها. لا تقل هذا أمر معلوم عندي الآن - ولا حاجة إلى أن أسجلها فلن أنساها، فإن الحفظ يضعف والنسيان يعرض .

 - 4كيف تقيد .. الأفضل في دفتر، لأن الأوراق تضيع، وإن اضطررت للتسجيل على ورقة مستقلة فسارع إلى نسخها على الدفتر عند الإمكان.

بادئ ذي بدء، أكتب عنوان الكتاب، واسم مؤلفه، ورقم طبعته، وسنتها، واسم دار النشر والطبع، واسم محققه، أو شارحه إن وجد.

ثم أنقل ماشئت وأكتب نقل لتميزه عن خواطرك، ثم إن نقلت حرفيا فذاك وإلا فأكتب بالتصرف.

وأخيرا سجل رقم المجلد أو الجزء إن وجد ثم رقم الصفحة.

وعند فراغك من المطالعة أكتب – على ورقة مستقلة وضعها في ثنايا الكتاب- بلغت الصفحة رقم كذا.. من الجزء رقم كذا، تأسيا بعمل السلف الصالح y وفائدة ذلك أنك قد تنسى - عند معاودتك للمطالعة لا سيما مع طول الزمن - فلا تدري أبلغت هذه الصفحة أم لا ؟  .. وربما يفوتك بعض الصفحات إذا ظننت أنه قد تقدمت في المطالعة.

 


[1] جامع بيان العلم وفضله، لابن رجب الحنبلي.

[2] الجامع لأخلاق الراوي، للخطيب البغدادي.

[3] علوم الحديث ومصطلحه، لصبحي الصالح. ص .101-103:

[4] صيد الخاطر، لابن الجوزي.

[5] البداية والنهاية، لابن كثير، ج 3  ص .266-267 :

[6] الجامع لأخلاق الراوي، للخطيب البغدادي، ج.1.

 


المراهقة

1. معنى المراهقة:

- المراهقة في اللغة العربية ترجع إلى الفعل العربي (راهق) الذي يعني الاقتراب من الشيء، فراهق الغلام، فهو مراهق؛ أي قارب الاحتلام، وهذا يشير إلى الاقتراب من النضج والرشد.

- أما في علم النفس فهي تشير إلى اقتراب الفرد من النضوج الجسماني والعقلي والاجتماعي والنفسي.

ويطلق مصطلح المراهقة على المرحلة التي تبتدئ بالبلوغ، وتنتهي بالرشد، أي إنها مرحلة انتقال بين الطفولة والرشد. وتتضمن هذه المرحلة إعادة تنظيم القوى النفسية والعقلية؛ لتمتلك كفاية أفضل لمواجهة حياة الرشد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مرحلة المراهقة لا تعد مرحلة نضوج تام، بل هي مجرد مرحلة تؤدي تبعاتها وأحداثها إلى النضوج.

2. الفرق بين المراهقة والبلوغ:

ولابد من التفريق بين البلوغ والمراهقة، فالبلوغ هو تغير جسدي يدل على أن الفرد أصبح قادرًا على النسل، حيث إن البلوغ هو نضوج الغدد التناسلية واكتساب معالم جنسية جديدة تنتقل بالطفل من فترة الطفولة إلى الشباب بمعنى آخر البلوغ هو مرحلة فرعية ضمن مراحل المراهقة، وعادة يكون أولى العلامات الدالة على بداية فترة المراهقة. في حين أن المراهقة أوسع من ذلك؛ فهي تغيرات جسدية وعقلية وعاطفية واجتماعية تشكل نسيج متشابك وبنية متفاعلة العناصر، ويتفاعل فيها الجانب العضوي مع الجانب النفسي والاجتماعي وفق ثقافة المجتمع السائدة.

 هناك من يعتبر أنهما مترادفان؛ فالبلوغ يعني المراهقة، وهناك من يعتبر أن البلوغ هو العلامة المتميزة كبداية مرحلة المراهقة، ومنهم من يعتبر أن المراهقة أعم، فالبلوغ يختص بالنمو الجنسي أو النمو العضوي والجنسي، والمراهقة تشمل ما سوى ذلك.

3. مراحل المراهقة:

قام علماء علم النفس بتقسيم مرحلة المراهقة إلى ثلاثة أقسام، وذلك بسبب اختلاف فترة مرحلة المراهقة بين مجتمع وآخر. وهي:

- مرحلة المراهقة الأولى من الفترة (11 - 14) عاماً، وتتصف بتغيرات بيولوجية سريعة.

- مرحلة المراهقة الوسطى من الفترة (14 - 18) عاماً، وهنا تكتمل التغيرات البيولوجية.

- مرحلة المراهقة المتأخرة من الفترة (18 - 21) عاماً، وفي تلك المرحلة يتحول الفرد إلى إنسان راشد مظهراً وتصرفاً.

تمتد فترة المراهقة عمومًا بين سن (12 ـ 18)؛ إذ تطول هذه الفترة وتقصر باختلاف الأجناس والمجتمعات والمناخات والثقافات التي يعيش فيها المراهق، وتبدأ مراهقة البنت عادة قبل مراهقة الصبي، وهذا يعني أنه لا يمكن الحديث عن المراهق إلا بصورة عامة، أو عن طريق مراهق مرتبط بمجتمع محدد بثقافة سائدة. كما أن فترة المراهقة ليست مستقلة عن الماضي والمستقبل، فهي متداخلة مع ما قبلها وما بعدها، وهذا يعني أن خصائص مرحلة المراهقة ومشكلاتها ترتبط بخبرات الطفولة وبالنمو الحالي والمستقبلي.

تعد فترة المراهقة مرحلة انبثاق النمو الجسمي والوجداني والنضج الاجتماعي والانسلاخ عن الأطر والعلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة في مرحلة الطفولة، وما التغيرات الجسمية والنفسية والاجتماعية التي تطرأ على المراهق إلا نتاج التفاعلات المختلفة التي يتعرض لها الفرد، وتستهدف تحقيق النضج والكمال في تكوين الشخصية؛ لأن المراهق لا يترك عالم الطفولة فجأة، ويصبح مراهقًا، ولكنه ينتقل انتقاًلا تدريجيًا نحو النضج.

4. علامة دخول مراحل المراهقة:

ـ النمو الجسمي/ الجسدي: تظهر قفزة سريعة في زيادة الطول والوزن، مع ملاحظة الاختلاف بين الذكور والإناث، إذ يتسع المنكبان/ الكتفان، وتنمو العضلات، ويخشن الصوت عند الذكور، في حين يتسع الوركان، ويبرز الصدر عند الإناث، كما يظهر الشعر ـ عند الجنسين ـ تحت الإبطين وفي منطقة الأعضاء التناسلية، وينتشر حب الشباب على الوجه. وعندما يطمئن المراهق إلى سلامة تكوينه الجسمي ينقلب طاووسًا يقف أمام المرآة معتزًا بجسمه وشعره وعضلاته وثيابه بالنسبة للذكور، وتميل الإناث إلى الثياب التي تبرز مفاتن جسدها.

ـ النضج الجنسي: تنضج الغدد الجنسية، وتبدأ في تأدية وظائفها، وتنمو أعضاء الجهاز التناسلي. ويتضح هذا النضوج في الإناث، بدم الحيض وبظهور العادة الشهرية ولا يشترط هنا ظهور الخصائص الجنسية الثانية مثل كبر حجم الثدي وغيرها عند الإناث، أما في الذكور فتبدأ بزيادة حجم الخصية وبدء نمو شعر العانة وإنتاج النطاف ضمن السائل المنوي والاحتلام عند الذكور.

ـ التغيرات النفسية: تترك التغيرات الجسمية والجنسية آثارًا واضحة على نفسية المراهق، إذ تسبب التغيرات الهرمونية والجسدية للفرد المراهق بعض الاضطرابات، فيبدو قلقًا، وتزداد حساسيته حيال ما على جسمه وصوته وصورته، كما يثور، ويغضب لأتفه الأسباب، ويتعرض لحالات من اليأس والحزن والتشاؤم نتيجة ما يلاقيه من إحباط بسبب التعارض بين رغباته وتقاليد المجتمع. حيث أن أول قذف منوي للذكر يرافقه بعض المشاعر السلبية والايجابية. وفي الإناث أيضاً حيث يسبب الحيض لهم بعض الانزعاج والخوف.

5. خصائص المراهقة:

خصائص المراهقة كثيرة؛ أبرزها:

ـ النمو العقلي: تنمو الوظائف العقلية نموًا واضحًا من انتباه وتذكر وتفكير وخيال... وقد ينزع المراهق إلى الهرب من واقعه ناسجًا عالمًا من الأخيلة والصور التي تحقق دوافعه، وتنفس عن انفعالاته. كما تظهر عنده القدرة على البحث والنقد والتعليل.

ـ التفكير المثالي: لا يخلو تفكير المراهق من منحى فلسفي مثالي يتجاوز فيه الواقع اليومي والحسي إلى المفاهيم العقلية المجردة والمثل العليا، فيفكر بالخير والشر والعدالة وبالوجود وأسراره، كما يفكر بالنفس وطبيعتها، وقد يعد نفسه مصلحًا اجتماعيًا.

ـ التغيرات الاجتماعية: إن فترة المراهقة فترة تغير فجائي في الجماعة التي ينتمي إليها المراهق، إذ إنه لم يعد طفًلا، ولا يريد أنُ  يعامل على أنه طفل، إنه يسعى إلى الاستقلالية واتخاذ القرارات، ويلجأ إلى عالم الأقران؛ لتتوطد العلاقة معهم. كما تتصف هذه المرحلة بتبلور الوعي الاجتماعي، وتصبح القيم إحدى محركات السلوك، لذلك فإن انتماء المراهق للجماعة يقوم على مدى ما تتميز به هذه الجماعة من قيم وأهداف يوافق عليها؛ لهذا يميل إلى الانتماء إلى التنظيمات الشبابية والسياسية، ويهتم بالمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحيطة. كما يتمنى أن يعاد تشكيل العالم وسيادة العدالة والقانون ومحو الظلم والتخلص من حالات التجاوز في البيت والمدرسة والمجتمع.

ـ التفكير بالمستقبل: يفكر المراهق بالمهنة والاستعداد لها، ويحلم بالمستقبل، ويتحدث عن الحب والتفكير بالجنس الآخر والاهتمام به والرغبة في الزواج.

6. أهم التحديات والمشاكل التي يمر بها المراهق:

- العصبية وحدة التعامل: يتوتر المراهق، ويزداد عناده وعصبيته أملاً منه في أن يحقق مطالبه، غير مكترث بمشاعر الآخرين أو طريقة تحقيق مطالبه.

- التمرد وفردية الرأي: حيث يشكو أغلب المراهقين من عدم فهم الأهل لهم، وعدم إيمانه بحق في الحياة المستقلة. لذا، يلجأ المراهق إلى التحرر من مواقف ورغبات والديه في عمليه لتأكيد نفسه وآرائه وفكره للناس. ولأن أغلب المراهقين يؤمنون بتخلف أي سلطة فوقية أو أعلى منه، فيلجاً المراهق لكسر تلك القوانين والسلطات، وبذلك تتكون لديه حالة من التمرد على كل ماهو أعلى أو أكبر.

- الصراع الداخلي: يتزايد الصراع الداخلي لدى المراهق مع دخوله وتوغله في تلك المرحلة. وتحدث تلك الصراعات بسبب الاختلاف بين حقيقة الأمور والتفكير الحالي له.

- المشاكل الجنسية والعادة السرية : حيث يعاني المراهق ازدياد شهوته الجنسية ومشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة العادة السرية في بعض الأحيان، الأمر الذي قد يتعارض مع العديد من التقاليد الاجتماعية والقيم الدينية للمراهق، والتي في الأغلب تنظر إلى الأمور الجنسية بتحفظ شديد لدى المراهقين.

7. تظهر في مرحلة المراهقة بعض المشكلات التي تؤثر في عملية توافق المراهق مع نفسه وتكيفه مع بيئته، وأبرزها:

- قلق انفعالي يكون مصحوبًا بالحساسية الشديدة والشك فيمن يتعامل معهم الصراع بين عجز المراهق المالي في تحقيق رغباته والاستقلال عن الأسرة وبين حاجته لمساعدة الأهل.

- الصراع بين مخّلفات الطفولة ومتطلبات الشباب.

- سوء التكيف نتيجة التغيرات السريعة التي تطرأ على مجالات النمو المختلفة للمراهق.

- القيود الاجتماعية التي تفرضها بيئة المراهق وتحول بينه وبين تطلعه إلى الحرية والاستقلالية؛ ولذلك يعد كل نصيحة أو توجيه اعتراضًا لحريته واستقلاليته.

- عدم فهم الأهل لطبيعة المراهق وكيفية التعامل معه، وهذا يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق، وقد ينطوي على ذاته ويميل إلى الخجل وأحلام اليقظة.

- الحكم على قيم المراهق وتصرفاته بمعايير الكبار وآرائهم وتقاليدهم دون الاهتمام بطبيعة هذه المرحلة العمرية ومتطلباتها والعصر الذي هي فيه.

- عدم قدرة المراهق على التعامل مع البيئة التي يعيش فيها، إذا كانت بيئة الأسرة والمدرسة والمجتمع لا تأبه له، ولا تعترف بنضجه وشخصيته المستقلة. ويفسر مساعدة أهله له على أنها تدخل في أموره والتقليل من شأنه؛ ولهذا يعترض على هذا التدخل بأشكال العناد والسلبية وعدم الاستقرار والاضطراب الانفعالي.

- مشكلة الفراغ ولاسيما عندما لا يكون للمراهق أهداف حقيقية تستحوذ على اهتمامه.

- أزمة الهوية التي تنشأ من عدم قدرة المراهق على فهم ذاته الجديدة وتقبلها والتعامل معها.

- الاغتراب النفسي، حيث يشعر المراهق بالانفصال النسبي عن ذاته أو مجتمعه أو كليهما.

8 - الخلاصة:

- المراهقة ومعناها التدرج نحو النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي، وهي الفترة العمرية المُمتدة من سن 15 إلى 21 ، وهي فترة متقلبة وصعبة تمر على الإنسان، وتكون بمثابة الاختبار الأول له في حياته الممتدة. حيث أن مستقبل الإنسان وحضارة الأمم تتأثر كثيرًا بمراهقة أفرادها.

- ينظر بعضهم إلى فترة المراهقة بأنها واحدة من أكثر مراحل الحياة صعوبة وتأزمًا، وهي كالعاصفة العاتية التي تهز المراهق هزًا عنيفًا، ويعيش في أثنائها حالة من القلق والاضطراب والاكتئاب والحيرة، كما يتعرض بعض المراهقين إلى صدمات نفسية وأخلاقية وصراعات ومشكلات متنوعة، ويتسببون في إحراجات عديدة لأسرهم ومدارسهم.

 - إن المراهق ليس مشكًلا، وإنما يعيش ـ في غالب الأحيان ـ في بيئة مشكلة، فمشكلات المراهق ليست سوى أزمة نفسية من خصائص مرحلة عمرية معينة يتم تجاوزها بمجرد تخطيها، ويمر فيها جميع البشر، وهذه الأزمة ليست استجابة لتغييرات داخل الفرد نفسه فقط؛ وإنما هي نتيجة لاستجابة المجتمع الذي يعيش فيه أيضًا.

 ولهذا فإن المرحلة طبيعية في حياة الإنسان ولا تتطّلب بالضرورة مظاهر التوتر ولهذا فإن المراهقة مرحلة طبيعية في حياة الإنسان ولا تتطّلب بالضرورة مظاهر التوتر أو الانحراف إذا استطاع المربون ولاسيما الأهل التعامل مع المراهق بموضوعية وفي جو آمن ينال فيه الحب والفهم والاحترام وإثبات الذات.

هناك قاعدة تربوية عظيمة في مرحلة المراهقة في كلمات قصيره عن تربية الأبناء والبنات في مرحلة المراهقة تُعتبر جامعه وشامله ومُختصرة يقول أحد السلف: لاعبوا أبناءكم سبعاً ، وعلّموهم سبعاً ، وصاحبوهم سبعاً.

 

المراجع:

- موقع الموسوعة العربية.

- موقع ويكيبيديا الموسوعة العربية الحرة.

 

تم اعداد هذه الورقات للمشاركة في يوم دراسي بعنوان مهارات تنشيط الفصل الدراسي واستيعاب المراهق (ة). مساء يوم السبت 30 أبريل 2016.

بقلم: امصنصف كريم.

- مكون في الصحة النفسية للطفل والمراهق في منصة ادراك سنة 2016.

- مكون في أسس التربية السليمة للطفل والمراهق في منصة ادراك سنة 2016.


موسوعات عربية على النت

 

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات.

ومن الموسوعات العربية المتوفرة على النت هناك ثلاثة موسوعات توفر خدمة النسخ واللصق والطبع بصيغة بدف وهي:

1. الموسوعة العربية

الموسوعة العربية توفر المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط برئاسة الجمهورية العربية السورية تأسست عام 1981 ومركزها دمشق.

وتنحصر أهداف الموسوعة العربية في توفير مرجع علمي عربي يتسم بالدقة العلمية والشمول، ويتناول مختلف جوانب المعرفة الإنسانية، ويزود القارئ بمعرفة كافية عن قضايا العصر العملية والثقافية والتقانية.

ومن ميزات هذه الموسوعة العربية الشاملة أنها كتبت بأقلام باحثين عرب، وبلغة عربية سهلة، وأسلوب سلس، مع دقة في التوثيق، وبساطة في العرض، وجمع بين الأصالة والمعاصرة.

الرابط   https://www.arab-ency.com

 

2. موسوعات موقع الدرر السنية:

قاعدة بيانات إلكترونيَّة ضخمة شاملة لميراث الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم بمفهومه الشَّامل، توفر مرجعيَّة عِلميَّة على منهج أهل السُّنة والجماعة للمسلمين كافَّةً في أنحاء العالَم.

الرابط     https://www.dorar.net

 

3. موسوعة ويكيبيديا:

ويكيبيديا موسوعة حرة ودقيقة ومتكاملة ومتنوعة ومحايدة، يستطيع الجميع المساهمة في تحريرها. بدأت النسخة العربية في يوليو/تموز 2003.

الرابط     https://ar.wikipedia.org


مفهوم البيداغوجيا والديداكتيك..

مفهوم البيداغوجيا والديداكتيك..

البيداغوجية علم التربية والتعليم للصغار

بِيدَاغُوجِيَّةٌ ( مصدر صناعيّ ).: عِلْمُ التَّرْبِيَةِ ، يَهْدِفُ إلَى تَنْشِئَةِ الأطْفَالِ وَتَعْليمِهِمْ حَسَبَ مَنَاهِجَ وَطُرُقٍ عِلْمِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ.

البيداغوجيا مصطلح تربوي أصله يوناني ويعني لغويا العبد الذي كان يرافق الأطفال إلى المدرسة. من الصعب إيجاد تعريف محدد للبيداغوجيا، وذلك راجع إلى ارتباط المصطلح بمصطلحات مجاورة.

وبصفة عامة تعني البيداغوجيا مجموع طرق التدريس. وقد نشأ عن المدارس الفلسفية ومدارس علوم النفس المختلفة تمظهرات ومقاربات مختلفة للبيداغوجيا وطرق مختلفة لتحقيقها.

مفهوم البيداغوجيا لا يوجد له مقابل في اللغة العربية ، ولا يوجد له تعريب واضح عند المفكرين التربويين العرب ، لذلك حصل حوله جدل واسع  .

تتكون كلمة " بيداغوجيا " في الأصل اليوناني، من حيث الاشتقاق اللغوي، من شقين، هما:

" Péda "  وتعني الطفل، و" Agôgé "  وتعني القيادة والسياقة، وكذا التوجيه.

وبناء على هذا، كان هو الشخص المكلف بمراقبة الأطفال، والأخذ بيدهم ومصاحبتهم. وكان العبيد يقومون بهذه المهمة في عهد الإغريق.

وبمرور الوقت تحول البيداغوجي لأسباب عدة من المربي بالمفهوم الواسع إلى المعلم المربي ناقل المعرفة. وبذلك تحولت البيداغوجيا من معناها الأصلي المرتبط بإشباع القيم التربوية, إلى منهجية في نقل وتقديم المعرفة وارتبط ذلك بما يعرف بفن "تدريس المعارف والخبرات التعليمية والتعليم ونقل المعلومة والتدريب" من خلال الاساليب الملائمة لفرد او لمجموعة, وانصب الاهتمام على اقتراح الطرائق المختلفة للتعليم والتعلم والتدريب.

الديداكتيك علم فن التدريس

الديداكتيك هي شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس، وكلمة ديداكتيك تعني تعليم أو ما نتج عن التعلم وبكم أخرى علم التدريس. الديداكتيك بمفهومها الضيق هي نظرية التعليم أو التدريس، وبمعنى أوسع هي نظرية وتطبيق عملي للتعليم والتعلم.

وإنها كذلك نهج، أو بمعنى أدق أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمي، فهي بالأساس تفكير في المادة الدراسية بغية تدريسها، فهي تواجه نوعين من المشكلات : مشكلات تتعلق بالمادة الدراسي وبنيتها ومنطقها … ومشاكل ترتبط بالفرد في وضعية التعلم، وهي مشاكل منطقية وسيكولوجيةويمكن تعريف الديداكتيك أيضا كمجموع الطرائق والتقنيات والوسائل التي تساعد على تدريس مادة معينة.

الفرق بين الديداكتيك والبيداغوجيا:

الديداكتيك ، هو "التربية الخاصة"، أي خاصة بتعليم المواد ا لدراسية، مثل التربية الخاصة بالرياضيات أو التربية ا لخاصة بالفلسفة، في مقابل التربية العامة أو البيداغوجيا والتي تهتم بمختلف القضايا التربوية في القسم بل وفي النظام التربوي برمته، مهما كانت المادة الملقنة.


الأساطير المفسرة

الأسطورة تعني في الاستعمال الدارج تصورا خياليا وخاطئا. كقصة خيالية تصف أصل الكون وأصل الكائنات، وقد شاع الخلط بين الأسطورة والخرافة[1] فهذه الأخيرة عبارة عن قصة خيالية وصفية، بينما الأسطورة تحكي أشياء مستحيلة أو غير محتملة لأنها تتجاوز حدود المنطق المعروف فيما ألفه الناس وتعني في الفلسفة عرضا سرديا لنظرية ما.

هذا ونجد الكائنات الأسطورية لها وجهان: وجه واقعي، ووجه أسطوري خيالي[2]. والخيال هو ملكة إنشاء الصور الذهنية انطلاقا من مدركات حسية سابقة ( خيال استرجاعي )، فهو وظيفة نفسية ابتكارية يتمثل بواسطتها الفكر علاقات جديدة بين الأشياء والواقع ( خيال خلاق )، والمعلومات هي المادة الأساس المعتمدة في الخيال الرمزي. والرمز يضرب بجذوره في أعماق اللاشعورية ويختزن ذكريات منسية أو مكبوتة، تعود إلى ماضي الفرد أو إلى ماضي البشرية وبدايتها الأولى.

ويمكن القول إن كل أسطورة ولابدا لها من أساس ما، هذا الأساس قد يكون حقيقة مزجت بوهم وبعض من الخيال بغية الإثارة والمتعة والتسلية، أو الرعب، أو لغرض ديني، أو اقتصادي، أو سياسي. وهناك أساطير لا أساس لها من الصحة، وهي تلك الأساطير التي تصطدم بالدين والعلم بشكل لا مفر منه...

فهناك أساطير عالمية خالدة في أذهان الشعوب، أبطالها تألقوا كنجوم ساطعة في عالم التاريخ على الرغم من أن أحدهم لم يحيى في عالمنا قط .

إن الأساطير لم تأت من فراغ، وإنما هي مبنية على أنقاض حقائق. ولكن حين تحيط المعتقدات الخرافية بشيء ما عندئذ يصير البحث عن الحقيقة شبه مستحيل، فعندما تتعدد الآراء في موضوع واحد قد تضيع الحقيقة.

إن الأسطورة الجيدة في نظري هي تلك التي تفسح المجال للخيال المبدع لكنها لا تصطدم بالدين أو العلم. لكن في المجتمعات البشرية القديمة خلقت أساطير يشيب لهولها الولدان كما يقولون. وهي في الحقيقة انعكاس للتجربة البشرية آنذاك. محورها هل الخوف بيننا أم فينا ؟  وبصيغة أخرى هل نخاف ما يخيفنا أم يخيفنا ما نخاف ؟  ولقد عنيت بالخوف بيننا أن الإنسان قد يخاف مما يتعامل معه في المحيط الخارجي وهو مخيف لذلك يخافه; مثل الخوف من الثعبان لديه ما يبرره.

وقصدت بالخوف فينا أن الإنسان قد يخاف مما يتعامل في المحيط الخارجي وهو يخيفه مع أنه غير مخيف حقا; مثل الخوف من الحبل المزركش، وهذا يدل على أن خوفه منه نابع من أعماق أعماقه.. وهنا تختلف مخاوف بعضنا عن البعض الآخر.

فلنترك الخوف جانب ولنعد إلى خرافنا كما يقول الفرنسيون والعود أحمد، ولنتحدث عن الأسطورة في العصر الحديث عصر العلم الذي ينبذ الخرافات ولنتكلم عن أسطورة الأطباق/الصحون الطائرة مجهولة الهوية. وهنا يمكن أن نتساءل كيف لشيء لا وجود له أن يفعل كل هذه الضجة في الجرائد، والكتب، والتلفاز، والمذياع، والسينما ؟!..

فيما مضى كان هناك ظهور لأجسام تعود لكائنات غير بشرية من جن ووحوش ومسوخ يخلقون الاضطراب في القرون الغابرة.

وأما اليوم فالعلم والتكنولوجيا غلفوا كل ذلك، وكان من عين العقل أن تظهر المركبات الفضائية لأنها مقرونة بحقيقة عصرنا، تعطي للناس الذين تعليمهم غير كاف فكرة عن تقدم تكنولوجيا السفر في الفضاء. إن الأطباق الطائرة المجهولة الهوية جاءت كنظرية تفسر التساؤلات حول الحياة في الكون شأنها شأن الأساطير الإغريقية القديمة. فقط استبدلت الأقزام الخضر من تحت الأرض بآخرين من الفضاء.

بقلم امصنصف كريم

مدرس المنطق والفلسفة والفكر الإسلامي بالطور الثانوي من التعليم العتيق بالمغرب. ومجتاز للدورة التكوينية في مساق مدخل إلى الثقافة والنقد الثقافي بمنصة رواق (2016).

 


[1] في معجم اللغة العربية المعاصر نجد أن الخُرافة ، حديث ملفَّق لا أصل له :- { إِنْ هَذَا إلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ }: أكاذيبهم المسطورة في كتبهم.

[2] عرف المعجم الرائد الأسطورة بأنها قصة أو حكاية تمتزج فيها مبتدعات الخيال بالتقاليد الشعبية وبالواقع .

 


قراءة في كتاب المصطلحات الأربعة في القرآن لأبي الأعلى المودودي..

كتاب المصطلحات الأربعة في القرآن[1] رسالة ألفها العلامة أبو الأعلى المودودي ( ت 1399 هـ ) في الأربعينيات من القرن العشرين، وقد اقتصر فيها على دراسة أربعة مصطلحات وهي: الإله، والرب، والدين، والعبادة. وعلل اختياره لها بأنها « أساس المصطلح القرآني وقوامه والقطب الذي تدور حوله دعوة القرآن »[2]، وبأن دراستها هي الطريق الأسلم لدراسة القرآن وفهم معانيه، ويقول:« لا بد لمن أراد أن يدرس القرآن ويسبر غور معانيه أن يتفهم المعاني الصحيحة لكل من هذه الكلمات الأربع، ويتلقى مفهومها الشامل »[3]. ويستنتج من هذا التعليل أن الدارس ينطلق من رؤية محددة وهي المتمثلة في أمور ثلاثة: ( أولها ) وعيه بالنسق المفهومي القرآني، ومن ثم وجود مصطلحات قرآنية هي بمثابة الأس لغيرها. و ( الثاني ) ربطه دراسة المصطلح القرآني بمقاصد شرعية ودعوية. و ( الثالث ) اعتباره هذه المصطلحات مفتاحا للعلم بالقرآن الكريم وفهم معانيه، وهو ما يترجم وعيه بجدوى دراسة المصطلح.

أما عن المنهج الذي يتبعه في دراسة المصطلحات، فهو يقتصر على تتبع معانيها اللغوية في المعاجم، ثم يورد دلالتها من خلال بعض مواردها واستعمالاتها في القرآن الكريم، دون ان يرتكز إلى إحصاء أو استقراء شامل لكل تلك الموارد والنصوص، ودون أن يعرض تلك الدلالات في ترتيب منهجي معين[4].



[1] الدكتورة فريدة زمرد في دراستها ( مفهوم التأويل ) صنفته كدراسة حديثة تطبيقية في المصطلح القرآني عامة.

[2] انظر مقدمة كتاب المصطلحات الأربعة.

[3] نفسه.

[4] انظر كتاب مفهوم التأويل في القرآن الكريم والحديث الشريف، للأستاذة فريدة زمرد. ص 69 و 70.

 


 

فلسفة: العلاقة مع الغير..

 

هل العلاقة مع الغير هي علاقة صراع وتنافر أم صداقة وتكامل ؟

إن علاقة الأنا بالغير يلخصها توماس هوبز بقوله:(( الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ))، ويؤيده سارتر بقوله: ((الجحيم هو الآخرون)); باعتبار الغير عند سارتر هو الأخر أي الأنا الذي ليس إياي. بخلاف أرسطو الذي يقرر أن الإنسان مدني بطبعه، باعتبار الغير هو عالم ممكن. وهو ما يؤيده الإسلام لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } (سورة الحجرات الآية 13)، ولقد ورد في الحديث عنه أنه سمع عليا يقول « اللهم إغننا عن خلقك فقال لا تقل هكذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ولكن قل اللهم إغننا عن شرار خلقك ».

خلافا لمن يحدد طبيعة العلاقة بين الأنا والغير في الصراع لا الصداقة، معتمدا في حججه على تاريخ الإنسانية، وهو تاريخ صراع وتفاعل بين السيادة والعبودية; إذ الوجود البشري لا يتكون إلا من خلال الصراع مع الآخر منذ الوعي بالذات، أنا أفكر أنا موجود، والأخرون إلى الجحيم، وهو ما ذهب إليه ألكسندر كوجيف في قوله: (( الإنسان في حالة نشأته لا يكون قط إنسانا وكفى أنه دائما وبالضرورة إما عبد وإما سيد )). تبعا للفلسفة الهيجيلية نسبة إلى هيجل إن العلاقة مع الغير ليست قائمة على الصداقة ولا الشفقة وإنما على مبدأ الهيمنة، فالإنسان إما سيد الغير أو عبده; وهو لا يخرج عن هذه العلاقة التراتبية القائمة على الصراع من أجل نيل الإعتراف وفرض الهيمنة. 


المدخل إلى دراسة الفكر الإعتزالي..

س :لماذا الكلام عن المعتزلة، أوليست فرقة واندثرت ؟

ج: نعم اندثر رجالها الغابرون أما فكرهم الثائر فلايزال متقد إلى الحين، حيث ظهرت فرقة تدعى بالمعتزلة الجدد، أصحاب الفكر النقدي الحر كما يدعون. ذلك لما لفكر المعتزلة من تأثير في البلاغة، وتوجيه القراءات القرآنية، والتأويل في تفسير آي القرآن الكريم، مما له صلة وطيدة بعقيدة المسلمين. فكان لزاما لما ذكرت ولما لم أذكر أن نبين بإيجاز ماهية الفكر الإعتزالي، لتكون على بينة من أمرك في معتقدك أيها القارئ الكريم.

 

( أولا ) التعريف بفرقة المعتزلة:

 

1 - نشأة المعتزلة:

 

يذكر الشهرستاني أن سبب نشأة المذهب الإعتزالي هو قضية مرتكب الكبيرة، وقول واصل ابن عطاء مؤسس المذهب بأن صاحبها في منزلة بين المنزلتين.

2 - أسسهم النظرية:

أ - مبدؤهم: العقل.

ب - ومنهجهم: التأويل.

ج - وأصولهم الخمسة هي: ( التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ).

3 - مواقفهم:

 يلقب المعتزلة بأهل العدل والتوحيد وذلك لأنها أهم أصولهم والباقي متفرع عنها وبناء عليه سنتطرق لبيان آرائهم في العدل والتوحيد فقط.

- موقفهم من مسألة النقل والعقل هو أن العقل قبل ورود السمع لأن معرفة الله فرض ضروري واجبة على الإنسان بالنظر والإستدلال قبل ورود الشرع.

- والتوحيد عندهم ثلاثة أقسام وهي: توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال.

- وموقفهم من مسألة صفات الله هو أن صفات الله هي عين ذاتة أي أن ذات الله وصفاته شيء واحد فالله عالم بذاته قادر بذاته حي بذاته لا بعلم وقدرة وحياة قديمة زائدة.

- والمعتزلة ينفون الصفات الإلهية توحيدا لله في صفة القدم وتنزيها له عن الشريك والشبيه والتجسيم.

- وموقفهم من مسألة كلام الله هو أن كلامه مخلوق يحدثه عند الحاجة إليه.

- وموقفهم من مسألة رؤية الله هو نفي رؤية الله بالأبصار لأنها غير ممكنة، إذ العين لا ترى إلا الأجسام والله ليس بجسم فيشبه الأجسام.

- العدل ثاني أصول المعتزلة وهم يرون أن الله تعالى عادل أي منزه عن أن يضاف إليه ظلم; لأنه لو خلق الظلم لكان ظالم وهذا محال في حقه تعالى.

وللتوكيد على حكمة الله وعدله قال المعتزلة أن الإنسان قادر على خلق أفعاله، خيرها وشرها، ومستحق على ما يفعله ثوابا أو عقابا في الأخرة.

- وقرروا كذلك أن التحسين والتقبيح عقليان لأن الإنسان كائن عاقل، وبعقله يستطيع معرفة الحسن والقبح ( الخير والشر ) من الأفعال، ولو لم يرد بهما الشرع. لأَنَّ الفعل الأخلاقي له قيمة ذاتية ثابتة وهذه القيمة جعلت الفعل الأخلاقي حسنا أو قبيحا بالنظر العقلي عند المعتزلة.

4 - نقد الفكر الإعتزالي:

- يرى الأشاعرة أن المعقول يوافق المنقول وتابع له وأن الواجبات كلها سمعية نقلية، والعقل لا يوجب شيئا.

- ورد الأشاعرة على المعتزلة في تقسيم التوحيد أنه حق أريد به باطل والصواب في التقسيم الثلاثي للتوحيد هو: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

- والأشاعرة يثبتون صفات الله، وهي قديمة قائمة بذاته، أي لا يمكن تصور انفصالها عن ذاته، فلا يكون الله حيا بغير حياة أو عالما بغير علم أو مريد بغير إرادة أو متكلم بغير كلام، بل الله حي بحياة عالم بعلم مريد بإرادة متكلم بكلام.

- ويرى الأشاعرة أن كلام الله قديم غير مخلوق.

- والاشاعرة يثبتون رؤية الله I بالأبصار في الآخرة. وهو عكس ما ذهب إليه المعتزلة في أقوالهم.

- ويقرر الأشاعرة في تصورهم لمفهوم العدل الإلهي أن الله ليس بظلام للعبيد، باعتباره متصرفا في ملكه كما يشاء وأن ثوابه لعباده ليس بواجب عليه وإنما هو تفضلا منه عليهم، وأن العدل الإلهي لا يقتضي ارسال الرسل وجوبا وإنما وقع ذلك منه تعالى لطفا بالناس.

- ورد الأشاعرة بنظرية كسب الإنسان القدرة والإستطاعة أثناء أفعاله على قول المعتزلة بأن العدل الإلهي يقتضي حرية الإنسان في خلق أفعاله.

- ومذهب الأشاعرة في الحسن والقبح أنهما شرعيان فالواجبات كلها سمعية نقلية، والعقل لا يوجب شيئا، ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا.

 

 ( ثانيا ) منهج المعتزلة في تفسير نصوص العقيدة [1]:

1 - الإعتداد بالعقل واعتباره المصدر الأول للمعرفة.. ( العقل، القرآن، السنة، الإجماع ).

2 - الإقرار بأسبقية العقل على النقل في الإستدلال.

 3- تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه [2] ورد دلالة المتشابه إلى المحكم عن طريق التأويل.

 4- التذرع بالفروض المجازية لرد دلالة الآيات المعارضة لمذهبهم.

 5- توجيه دلالات الآيات القرآنية توجيها لغويا يطابق عقيدتهم.

 6- رد الأحاديث المعارضة لأصول مذهبهم.

 

( ثالثا ) ضوابط دراسة معتقدات الفرق الكلام:

من يعتاد المسجد نشهد له بالإيمان فلا نكفره[3]. ونحسن الظن بالمسلم فنحمل كلامه على ٲحسن الوجوه[4] بما ٲن اللغة العربية حمالة ٲوجه. وإنما الأعمال بالنيات[5] فللمجتهد إن ٲصاب ٲجران وإن ٲخطاء ٲجر[6].

 

للمزيد اقرأ كتاب ( الفكر الإسلامي: علم الكلام.. )، و كراسة ( تحليل نماذج من نصوص الفكر الإسلامي )، ويمكنك تحميلهما من قسم المكتبة بالموقع.

 


[1] ملخص من كتاب الأثر المذهبي للمعتزلة في التفسير لأستاذنا عبد الرحمن حيسي رئيس قسم شعبة الدراسات الإسلامية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة المولى إسماعيل بمكناس  ( ص: 230-187 ).

[2] قاعدة المعتزلة في تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه: المحكم هو ما يدل بظاهره على موافقة معتقدهم في أصلي العدل والتوحيد. والمتشابه هو ما خالفها، فيجب تأويله ليطابق المحكم... إذ من مذهب المعتزلة أن المتشابه مما يعلم تأويله ( ص: 202-199 ) نفسه بالتصرف.

[3] « إذا رأيتم الرجلَ يعتادُ المسجدَ ، فاشْهَدُوا له بالإيمانِ ، قال اللهُ تعالى : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِر »ِ. الراوي:أبو سعيد الخدري المحدث:الترمذي المصدر:سنن الترمذي الجزء أو الصفحة:3093 حكم المحدث:حسن غريب.

[4]  لقول عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: ( لا يحلُّ لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظنُّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا. وقال أيضًا: لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه ). ولقول سعيد بن المسيَّب: ( كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله: أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا ).

ولقول المهلب: ( قد أوجب الله تعالى أن يكون ظنُّ المؤمن بالمؤمن حسنًا أبدًا، إذ يقول:﴿ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ ﴾ ( النور:12)، فإذا جعل الله سوء الظَّن بالمؤمنين إفكًا مبينًا، فقد ألزم أن يكون حُسْن الظَّن بهم صدقًا بينًا ).

[5] « إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه »ِ. الراوي:عمر بن الخطاب المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:1 حكم المحدث:[صحيح].

[6] « إذا حكم الحاكمُ فاجتهد ثم أصاب فله أجرانِ ، وإذا حكم فاجتهدَ ثم أخطأَ فله أجر »ِ .ٌ الراوي:عمرو بن العاص المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:7352 حكم المحدث:[صحيح].

 


تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في ذاته

القرآن الكريم يدعونا للنظر، ويرشدنا أين ننظر. قال سبحانه وتعالى :﴿ أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء ﴾ [الأعراف - 158[. وقال عز وجل: ﴿ قل سيروا في الأرض فانظر كيف بدأ الخلق ﴾ [العنكبوت - 20]. وقال تعالى: ﴿ أولم يتفكروا في أنفسهم ﴾ [الروم - 8]. وقال: ﴿ فلينظر الإنسان مما خلق ﴾ [الطارق - 5]. وقال: ﴿ وآنظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما ﴾ [البقرة - 259].

والمراد بالنظر التفكر، والتفكر بالقرآن نوعان:

النوع الأول: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه.

والنوع الثاني :تفكر في معانيه ما دعا عباده إلى التفكر فيه.

فالأول تفكر في الدليل القرآني وفي آياته المسموعة.

والثاني تفكير في الدليل العياني وفي آياته المشهودة.

فالفكر هو احضار معرفتين في القلب ليستثمر منها معرفة ثالثة.

والتفكر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلا عند القلب.

فالنظر والتفكر في الآيات البينات يرتقي بنا من السماع إلى العيان، ومن المشاهدة إلى الشهود، ومن الإيجاز إلى الإعجاز، ومن العلم إلى العمل.

فالله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى وإن لكل اسم منها أثر من الآثار في الخلق والأمر.

فالمخلوقات مرآة لأسماء وصفات الخالق.. وقال الشاعر فيما معناه أن في كل مخلوق دليل على خالقه:

تأمل  سطور  الكائنات  فإنها         إلى الملإ الأعلى إليك رسائل

وقد خط فيها لو تأملت خطها         ألا كل شيء ما خلا الله باطل

وأنشد آخر وهو ابن المعتز قائلا:

فوا عجبا كيف يعص الإله         أم كيف يجحده جاحد

والله   في   كل   تحريكة         وتسكينة   أبدا   شاهد

وفي  كل  شيء  له  آية          تدل   على  أنه  واحد

وأنشد ابن أبو الدنيا في كتابه التفكر والإعتبار عن شيخه أبي جعفر القرشي قائلا:

وإذا نظرت تريد معتبرا           فانظر إليك ففيك معتبر

وقال أعرابي:« البعرة تدل على البعير، والآثر يدل على المسير. فالسماء ذات أبراج، والأرض ذات فجاج، ألا يدل ذلك على اللطيف الخبير ».

وقال قس بن ساعدة ( ت 200 ه ):« إن في السماء لخبر وإن في الأرض لعبر ».

فمع احتشاد الآيات البينات الشواهد على الخالق، كما تعرضها مجاهيل هذا الكون المشهود، وكما تعرضها مجاهيل ذلك الغيب المكنون، ومع امتلاء صفحات الوجود الحافلة بدلائل وجود الله ; في كتاب الكون المفتوح، في المجال الكوني العريض، وفي كتاب النفس المكنون، في المجال الإنساني العميق. ومع هبة العقل الذي يملك أن يحصي الشواهد ويستنبط النتائج، ومع نور القرآن الذي تتجلى تحت أشعته حقائق الأشياء واضحة، تتجلى وحدانية الخالق، إذ العلم يهدي للإيمان.

فالتفسير العلمي للقرآن الكريم جمع بين قراءتين; قراءة كتاب الوحي المسطور، إذ التفسير يبحث في القرآن كلام الله ، وقراءة كتاب الكون المنظور، إذ العلم يبحث في الكون عمل الله ، ولا تعارض بين الحقيقة القرآنية كلام الله ، والحقيقة الكونية عمل الله .

ولذلك فالإستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة وهي طريقة عقلية صحيحة، وهي شرعية دل القرآن عليها وهدى الناس إليها وبينها وأرشد إليها كما قال ابن تيمية في كتابه النبوات.

 


شرح منظومة

جواهر البيان في تناسب سور القرآن

 

:قال الناظم

علم   التناسب   للسور       علم    جليل   ذو   خطر

قد   قل  فيه   الكاتبون       كما   قد   عز   المستطر

وابن الزبير في برهانه        قد  كان  أول  من  سطر

إذ   جاء   فيه    مجليا        يتلوه   بحر   قد    زخر

أعف   السيوطي  الذي        كتب    التناسق    للدرر

وكتب    مثل    كتابهم         بحثا     يؤيده     النظر

أعملت   فيه   قريحتي        واخترت    أنسب   الفكر

وفتحت بعض المغلقات        من آي الكتاب ومن الغرر

وأتيت  من عين المسا        ئل     بالبدائع      والغرر

ألهمت  من فيض الإله        بفيض     فضل     مدخر

حمدا   لواهب   فضله        وله    التطول    إذ   ستر

وصلاته   دوما   على        خير   البرية   من   مضر

قال الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري الحسيني الإدريسي، في موضوع علم التناسب بين السور:

( علم التناسب للسور ) أي علم تناسب سور القرآن، هو أحد أنواع التناسب القرآني. وعرف بأنه علم يعرف منه مقاصد السور، وهو أنواع بدوره. وهو ( علم جليل ) فهذا العلم في غاية النفاسة، وهو أدق العلوم أمرا، وأخفاها سرا، وأعلاها قدرا، لأنه ( ذو خطر ) فهو علم تعرف منه علل الترتيب، وذلك لئلا يبدو كلام الله منفصلا، وهو أمر يحتمه الإعتقاد الجازم بتنزيه كلام رب العالمين عن المشابهة لكلام العرب في الإقتضاب، الذي هو الإنتقال إلى غير الملائم، ناهيك عن التناقض مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ﴾[النساء-82].

وهو علم ( قد قل فيه الكاتبون ) لقلة اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته. ( كما قد عز المستطر ) أي المكتوب، فلأجل ذلك كانت المناسبة علما عزيزا، وفي هذا قال الإمام الرازي في تفسير سورة البقرة:« إني رأيت جمهور المفسرين معرضين على هذه اللطائف غير منتبهين لهذه الأسرار، وليس الأمر في هذا الباب إلا كما قيل:

والنجم تستصغر الأبصار صورته  ***والذنب للطرف لا للنجم في الصغر ».

ويحتمل أن يكون المراد أن علم المناسبة علم شريف، وفي هذا قال الإمام الرازي في تفسيره الكبير مفاتيح الغيب:« أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط ».

( وابن الزبير ) وهو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ( ت807 هـ )، شيخ ابن حيان صاحب تفسير البحر المحيط ،( في برهانه ) أي كتابه المسمى البرهان في ترتيب سور القرآن الذي اعتنى فيه بوجه المناسبة بين السور، ( قد كان أول من سطر ) مصنفا أفرده لعلم المناسبات بين السور في كتاب مستقل باتفاق كلمة العلماء على ذلك. ( إذ جاء فيه مجليا ) لأسرار ترتيب السور بين دفتي المصحف، مبينا ما في ترتيب سور القرآن من ترابط وتناسب معجز.

( يتلوه ) في مثل صنيعه ( بحر قد زخر ) علما لكثرة مؤلفاته ( أعف ) الله[1] الحافظ جلال الدين عبد الرحمن ( السيوطي ) المتوفي سنة 911 هـ ( الذي ) كثر منه وتكلف ف(كتب التناسق للدرر ) في تناسب القرآن وهو جزء لطيف لخص فيه مناسبات السور خاصة من كتابه أسرار التنزيل والمسمى أيضا قطف الأزهار وكشف الأسرار.

( وكتب ) عبد الله بن الصديق الغماري الحسني الإدريسي صاحب النظم ( مثل كتابهم ) السابقة الذكر ( بحثا ) سماه جواهر البيان في تناسب سور القرآن، ( يؤيده النظر ) في توجيه المناسبة بين الآيات والسور، وأما مصادره فيه فالنظر والتفكر والتدبر لآي القرآن كما قال ( أعملت فيه قريحتي واخترت أنسب الفكر ) وذلك لما حباه الله به من مقدرة ذاتية على التماس أوجه التشابه والترابط والتناسب بين السور، وهي قدرة ذاتية تحتاج إلى استعداد ذاتي لإستمداد هذا العلم، مما يحتاج إلى مزيد فكر وتأمل فكان علما تحرز به العقول، ويعرف به قدر القائل فيما يقول. وأما منهجه فيه فيقول في ذلك (وفتحت بعض المغلقات من آي الكتاب ومن الغرر، وأتيت من عين المسائل بالبدائع والغرر ) كما (ألهمت من فيض الإله بفيض فضل مدخر ) فما علمه في المناسبات إلا من لدن الله يرد إلى ذهنه على صورة فيوضات واشراقات تهز الفكر هزا وتمس الروح مسا.  

( حمدا ) لله ( لواهب فضله، وله التطول إذ ستر. وصلاته دوما على) نبينا محمد ( خير البرية من مضر ). اهـ

 

(  في 2010 بمكناس

بقلم أ.ذ: امصنصف كريم مدرس علوم القران والتفسير)

 


[1] دعاء.  

 


قراءة في كتاب البرهان لابن الزبير..

 

لقد قامت عدة دراسات رائدة على أساس إعجاز القران ولكن ما تداركه الفقيه "أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ( 627 هـ / 708 هـ )" على سابقيه هو دراسة العلاقة بين سور القرآن الكريم في كتابه القيم "البرهان في ترتيب سور القرآن"، ولئن جاء ترتيب سور القرآن بين دفتي المصحف على خلاف ترتيب نزول القرآن منجما في عهد التنزيل، فإن هذا ما حذا بابن الزبير الغرناطي أن يحاول الإجابة عن كيفية ترتيب القرآن الكريم هل كان بتوقيف من الشارع أم توفيقا، أي أنه كان عملا من أعمال الصحابة ليس إلا ؟

وإن كان مسبوقا في إثارة هذه المسألة، فإن جهود من سبقه من القدماء كانت لصيقة بكتب علوم القرآن الموسوعية وكذا بكتب التفسير ومتناثرة في ثناياهما. ولهذا يعد ابن الزبير سباقا بحق في تفسيره الموضوعي في علم المناسبة إلى وضع مصنف مستقل يتناول علم أسرار ترتيب السور، مبينا وجها جديدا من وجوه إعجاز القرآن وهو مدى ما في ترتيب سورة من ترابط وتناسب معجز. فكان إماما بحق لمن جاء بعده من المتأخرين في هذا الفن، فكل متأخر يحاول الإقتداء به والإقتباس من كتابه الأصيل.

ونقتطف من درر قوله في مصنفه قوله في وجه المناسبة بين سورتي الفيل وقريش إذ قال:« لا خفاء باتصالهما أي أنه تعالى فعل ذلك بأصحاب الفيل ومنعهم عن بيته وحرمه لانتظام شمل قريش وهم سكان الحرم وقطان بيت الله وليؤلفهم بهاتين الرحلتين فيقيموا بمكة وتأمن ساحتهم ».

ونظرا لقيمة الكتاب وأصالته قام الأستاذ محمد شعباني[1] بدراسته وتحقيقه لنيل دبلوم الدراسات الإسلامية العليا من دار الحديث الحسنية، واعتنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية بطبعه.

( تم في 2010 بمكناس بقلم أ.ذ: امصنصف كريم مدرس علوم القرآن والتفسير )

 


[1] اقتبسنا من مقدمته هذه الأسطر.

 


العلاقة بين الفلسفة والدين 

 - ما هي العلاقة بين الفلسفة والدين؟

سؤال يجيب عنه كبار الفلاسفة المسلمين.

 فيذهب الكندي (ت نحو 260هـ، 873م) إلى أن الفلسفة هي علم الحق الأول الذي هو علة كل حق، ولذلك يجب أن يكون الفيلسوف التام الأشرف هو المرء المحيط بهذا العلم الأشرف لأن علم العلة في نظره أشرف من علم المعلول، والعلم التام هو علم العلة. والفلسفة عنده من أشرف العلوم لأنها علم الحق. إضافة لذلك يقرر الكندي أن الحقيقية الدينية والحقيقة الفلسفية واحدة فلا تناقض بينهما، غير أن ظاهر النص قد يوحي ببعض الاختلاف إذا لم يعمل العقل في مجال تأويل معقول.

 ويرى الفارابي (ت 339هـ، 950م) أن الفلسفة هي العلم بالموجودات بما هي موجودة ويقسمها إلى حكمة إلهية وطبيعية ورياضية ومنطقية. وكان هم (أبي نصر الفارابي) هو محاولة التوفيق بين إله الفلسفة اليونانية والإله كما جاءت به العقيدة
بينما اطلع الغزالي على الفلسفة اليونانية وعلى مؤلفات الفارابي وغيره فالف كتاب مقاصد الفلاسفة الذي يبين فيه مذاهب الفلاسفة قبل الاقدام على نقدها وابطالها
بعد هذا الكتاب ألف الغزالي كتابه المشهور تهافت الفلاسفة للرد على الفلاسفة القدماء أفلاطون وأرسطو وعلى الفلاسفة المسلمين الفارابي واشياعه الذين تركوا الدين اغترارا بعقولهم وتقليدا للفلاسفة القدماء كما يقول مبينا تهافت مذاهبهم وتناقضها فيما يتعلق بالإلهيات هادفا إلى نزع الثقة في الفلاسفة الغزالي يعلن عجز العقل عن البحث في الأمور الإلهية التي فيها أكثر أغاليط الفلاسفة وتهافتهم وفساد مذاهبهم وقصور أدلتهم مما أدى إلى تكفيرهم وحرم الفلسفة ذلك أنه إذا ثبت عقليا فساد البراهين الفلسفية وثبت شرعا مخالفة النتائج التي انتهت إليها الفلسفة لنصوص العقيدة فإنه من الطبيعي الحكم بفساد الفلسفة ومخالفتها للدين وبتهافت أصحابها.

 ويرى ابن رشد (ت 595هـ، 1198م) في فصل المقال ، أن النظر في كتب القدماء - يقصد بالقدماء هنا فلاسفة اليونان مثل أفلاطون وأرسطو - واجب بالشرع، إن كان مغزاهم في كتبهم ومقصدهم هو المقصد الذي حثنا الشرع عليه. فالفلسفة عند ابن رشد تفتح باب العلم بالله ومعرفته حق المعرفة.
فالعلاقة بين الفلسفة والدين علاقة توافق وانسجام وليست علاقة صراع وتضاد. لأن هدف فعل التفلسف هو: النظر في الموجودات للوصول إلى وجود الصانع. وبما أن الشرع يدعوا إلى النظر والتدبر والتأمل في الموجودات لأنها تدل على وجود الصانع. فإذن الشرع يدعو  إلى الفلسفة.


أدلة إثبات وجود الله عند الفلاسفة المسلمين

إثبات وجود االله:

قال تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) )الحج-11).
فللأسف البعض من الناس يدعو الله فإن لم يستجب له في حينه يقول دعوة ودعوة الله فلم يستجب إذن الله غير موجود.

فما هي أدلة وجود الله الموضوعية ؟

هذا سؤال حاول الفلاسفة المسلمون أن يجيبوا عنه. وسنعرض فيما يأتي أقوال أربعة منهم وهم الكندي فيلسوف العرب والفارابي المعلم الثاني والغزالي حجة الإسلام وابن رشد الحفيد أكبر شارح لفلسفة أرسطو.

 

إشكالية وجود الله:

إنَّ مسألة التدليل على وجود الله ومحاولة البرهنة على وحدانيته، من المسائل الفلسفية التي خاض فيها أكثر فلاسفة الإسلام، سواءً في المشرق العربي كالكندي والفارابي والغزالي، أو في المغرب الإسلامي كابن رشد الفيلسوف الأندلسي. ولقد اجتهد الفلاسفة الأربعة في الاستدلال على وجود الله بالنظر العقلي لأنه لا يتعارض مع تعاليم العقيدة الإسلامية فاستدلوا بالموجودات على وجود الله لكن اختلفوا في التقسيم. فالفلاسفة الإلهيون لم يسلكوا في الاستدلال على وجود الله تعالى مسلك المتكلمين، وهو الاستدلال بالحادث على المحدث، أو بالنظام على المنظم، أو بالصنعة على الصانع، الذي ينطلق من العالم لإثبات وجود الله. بل قسم الفلاسفة الموجودات إلى قسمين واجب الوجود وممكن الوجود، بدلا من التقسيم المعروف القديم والحادث. أما الاستدلال بواجب الوجود وممكن الوجود فيحاول أن يثبت وجود الله انطلاقا من فكرة الله ذاتها باعتباره واجب الوجود بذاته. فاجتهدوا في أن يثبتوا وجوده بأدلة عقلية متماسكة. إذ أن الكندي استدل بحدوث العالم أي بما أن الموجودات حادثة فلابد لها من موجد قديم وهو الله، وتابعه الغزالي قال والعالم حادث فيلزم منه إن له سبباً، ونعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى. ونعني بكل موجود سوى الله تعالى الأجسام كلها وأعراضها. وأما دليل الفارابي القائم على فكرة واجب الوجود فلا يخلو من أصالة، إذ قسم الموجودات إلى قسمين واجب الوجود وهو الله وممكن الوجود وهي الموجودات. وأما ابن رشد الحفيد فاستدل بحسن نظام العالم وتدبيره وسماه دليل العناية، واستدل بالاختراع على الصانع، فالموجودات المصنوعة تدل على الصانع، وهو دليل الشرع أيضا.

 

أدلة وجود الله:

برهان (حدوث العالم[1] ) الاستدلال بالحادث على المحدث:

إن الحادث لا يوجد بنفسه فافتقر إلى صانع لأنه من المحال أن تتسلسل العلل إلى غير نهاية. فالعالم محدث وجد بعد أن لم يكن فيلزم منه إن له سبباً موجد قديم وإنه محدث بإرادته، والمقصود به أنه العالم له بداية ونهاية فانتقل من العدم إلى الوجود، وسينتقل من الوجود إلى العدم بفعل الإرادة الإلهية. خلاف القول بقدم العالم أي أنه ليس للعالم بداية أو نهاية فهو أزلي[2] أبدي كما يرى بعض الفلاسفة اليونانيين. وإذا كانت إرادة قديمة لا تتغير؛ فوجود العالم ينبغي أن يكون قديما كإرادة الله؛ لأن إرادة الله هي علة وجود العالم. فإحداث العالم يستلزم تغييرا في إرادة الله والله منزه عن التغير.

 

تناهي الجسم دليل على حدوث العالم:

بالنظر إلى كتلة العالم نرى أنها إما أن تكون متناهية أو غير متناهية وبمعرفة أنها متناهية ومتميزة، عرف أن الوجود المتناهي لابد أن تكون له بداية في الزمن. وبما أن جرم العالم متناه له بداية في الزمن، وما دام متناهيًا فهو موجود من العدم، فهو حادث وليس علة ذاته واذن لبد له من محدث قديم هو علته الأولى وهو الحق الأول

 إن القول بحدوث العالم يرتبط تماماً بالتدليل على وجود الخالق. أي أنّ العالم إذا كان حادثاً، فإنّ هذا الحادث لا بد له من علة أحدثته وأظهرته إلى الوجود. وهذه العلة هي الله.

 والاستدلال على وجود الله تعالى استنادا على دليل الحدوث يعتمد على قضيتين، القضية الأولى إثبات حدوث العالم، والثانية إثبات أن كل حادث لابد له من محدث. وبطلان التسلسل والدور[3].

 الشرع يحث على النظر في المخلوقات لأنها تدل على خالقها وهو الله فدليل الخلق والإيجاد من العدم دليل شرعي معتمد عند فلاسفة الإسلام وإن اختلفوا في صياغته فعبر عنه الكندي بدليل الحدوث وصياغته المحدث لابد له من محدث هو العلة الأولى. وعبر عنه الغزالي بدليل الصانع وصياغته العالم مصنوع ولابد له من صانع هو المبدأ الأول وعبر عنه ابن رشد بدليل الاختراع وصياغته المخلوقات لابد لها من خالق هو الله.

 

برهان ( الفاعلية ) دليل العلة الأولى:

ليس ممكنا أن يكون الشيء علة كون ذاته، أي لا يمكن أن يكون موجودًا لذاته، فالمحدث به حاجة إلى محدث، ولا يمكن التسلسل[4] في العلل إلى ما لا نهاية، فمن الضروري وجود محدث قديم، كعلة[5] فاعلة أولى لوجود الأشياء، لا يمكن أن يكون مع وجوده وجود[6]، ووجوب كونه خارج ذات الأشياء، وهو الله العلة الأولى التي لا علة لها الفاعل الأول الذي لا فاعل له وهو علة لوجود غيره. فهو مؤيس الأيسات عن ليس موجد الكل من العدم،وفكرة الأيْس عن ليْس فكرة أصيلة عند الكندي، وهي فكرة إسلامية تعني خلق العالم من عدم، والكندي في هذه المسألة يخالف رأي أرسطو الذي يقول بقدم العالم.

 

برهان (الغائية في الوجود المحسوس ):

الغائية تقوم على أن الكون على درجة عالية من التنظيم وروعة البناء لدرجة يستحيل فيها أن يكون وليد الصدفة أو أن يكون وجوده عبثياً. وأن لم تكن هذه الدقة العالية والروعة الكونية قادمة من صدفة أذن لابد ان يكون هناك مُصمِم، والمُصمِم هو طبعاُ الخالق. وهذا يعني أن الله موجود.

 

دليل النظام والتدبير:

القائم على الاستدلال بالنظام الموجود في العالم على وجود منظم له.ففي العالم نظام وتدبير محكمان وهذا دليل على وجود حكيم دبر ونظم هو الله. ودليل الغائية وجذورها واضحة في القرآن إن الله تعالى هو علة فاعلية، وعلة غائية، لهذا الوجود، وإن هذه العلة كانت ولا تزال مدبرة لهذا العالم بدليل تلك الغائية والعناية الإلهية المشاهدة في الكون الذي نعيش فيه. إذ فيه دلالة على أتقن تدبير ومع كل تدبير مدبر.فالعالم المحسوس لم يوجد عبثًا بل لابد له من مدبّر، ولا يمكن معرفة المدبّر إلا بمعرفة تدبيره، وهو الكون المحسوس المنتظم.

 

دليل العناية في الكون:

يقوم دليل العناية على أن يفكر الإنسان جيداً وينظر فيما يحيط به من حماية وعناية ربانية ونعم لا تعد ولا تحصى، وقد خلق الله من أجله أكثر الموجودات، بل جميع ما في السماوات وما في الأرض، وذلك في قوله تعالى(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية:13).
الفلاسفة المسلمون ربطوا ربطاً وثيقاً بين فكرة الغائية وفكرة العناية الإلهية. ولعلهم أرادوا من ذلك تفادي ما في مذهب أرسطو من نقص. ذلك النقص الذي يتمثل في تلك الفجوة بين الله والعالم. أي أنهم أرادوا أن يؤكدوا وجود علاقة بين الله والعالم.

 

برهان الوحدة والكثرة، دليل الانسجام والوحدة:

وينفرد به الكندي عن غيره من الفلاسفة الإسلاميين وهو دليل مبتكر. فهو قد لاحظ  أن الأشياء المحسوسة متكثرة بالأنواع ومتحدة بالأجناس، فالحيوان واحد بالجنس كثير بالأنواع، حيث يضم الإنسان والحمار والحصان... إلخ، فالاشتراك في الوحدة يرجع إلى علة أولى ما بعدها علة، هي علة اشتراكها في الوحدة. وهذه العلة الأولى هي الله.

 
الاستدلال بالإمكان والوجوب (دليل واجب الوجود وممكن الوجود):

وواجب الوجود بذاته هو الموجود الذي وجوده من ذاته، لا يحتاج إلى أية قوة خارجية أو علة لأن يوجد فوجوده عين ذاته بمعنى إنه المطلق الذي ماهيته ووجوده شيء واحد ولا يمكن إلا أن يكون موجودا لأن عدم وجوده محال
أما ممكن الوجود فهو لم يوجد بعد ولكن فيه قابلية لأن يوجد وبعبارة أخرى أنه موجود بالقوة يحتاج إلى قوة مسببة لتخرجه من حال القوة (إمكانية الوجود) إلى حال الفعل (تحقق الوجود) من الإمكان إلى الوجود وممكن الوجود إذا وجد أصبح واجب الوجود بغيره. لأن استمد وجوده من غيره، فإذا فُرض عدم وجوده لما كان ذلك محالاً.

 إن الحرارة مثلا ممكنة الوجود ولكنها واجبة الوجود بغيرها النار والدفء ممكن الوجود ولكنه واجب الوجود بغيره الحرارة وهكذا ولكن هذه الممكنات لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية له التسلسل كما لا يمكن أن يكون أخرها سببا في أولها.
الدور لذلك وجب أن تنتهي إلى موجود أول واجب الوجود بذاته ولا يمكن أن تمضي سلسلة المرجحات الممكنة الوجود إلى ما لا نهاية لأن هذا محال، فلابد إذن أن نصل إلى مبدأ أول أو سبب أول هو علة وجود كل الممكنات في العالم وهو الذي رجح وجود هذا العالم على عدمه وهو الله.

 إله الفلاسفة واجب الوجود بذاته وهو الحق الأول الصانع والمبدأ الأول القديم والعلة الأولى التي لا علة لها والفاعل الأول الذي لا فاعل له والمحرك الأول الذي لا يتحرك يعلم الكليات والجزئيات.

 ________________________
[1]
 ونعني بالعالم كل موجود سوى الله تعالى. ونعني بكل موجود سوى الله تعالى الأجسام كلها وأعراضها.

 [2] الأزلي: الذي لم يكن ليس، وليس محتاج في قوامه إلى غيره. والذي لا يحتاج في قوامه إلى غيره فلا علة له، وما لا علة له فدائم أبدا.

 [3] الدور هو: توقف الشيء على نفسه، بأن يكون هو نفسه علة لنفسه بواسطة أو بدون واسطة.

 [4] تسلسل الحوادث هو: استناد وجود الممكن إلى علة مؤثرة فيه، وتستند هذه العلة إلى علة مؤثرة فيها، وهي إلى علة ثالثة مؤثرة فيها، وهكذا تسلسلاً مع العلل دون نهاية

 [5] العلة الأولى: مبدعة، فاعلة، متممة الكل، غير متحركة.

 [6]أي إنه قديم وما كان مع وجوده وجود قبل أن يخلق العالم من عدم.


البنية النفسية الثلاثية للشخصية عند فرويد في ميزان القرآن

إن العلوم الإنسانية تدرس الواقع الإنساني بحوادثه المختلفة لتجلو ثوابته وتتفهم اتجاهاته، ومن أقسام العلوم الإنسانية الثلاثة علم النفس الذي يدرس سلوك الإنسان كفرد.

ومن مظاهر عناية القرآن بالعلوم الإنسانية عامة وعلم النفس خاصة قوله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم)(فصلت-53). فالإنسان هو محور اهتمام القرآن، فالقرآن الكريم كله إما حديث إلى الإنسان أو عن الإنسان، على هيئة حقيقة أو وصف مرتبط بموصوف.

وفي القرآن الكريم دراسات مستفيضة للشخصية والصراع النفسي، فحينما تكون شخصية الإنسان في أدنى مستوياتها الإنسانية; بحيث تسيطر عليها الأهواء والشهوات والملذات البدنية والدنيوية، فإنها تكون في حالة ينطبق عليها وصف النفس الأمارة بالسوء، يقول تعالى: (وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم)(يوسف-53).

وحينما تبلغ الشخصية أعلى مستويات الكمال الإنساني حيث يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية فإنها تصبح في الحالة التي ينطبق عليها وصف النفس المطمئنة، يقول تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة)(الفجر-27).

وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه الإنسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء، ويسعى جاهدا عن الامتناع عن ارتكاب ما يغضب الله ويسبب له تأنيب الضمير، ولكنه لا ينجح دائما في مسعاه، فقد يضعف أحيانا ويقع في الخطيئة، ويطلق على الشخصية في هذا المستوى النفس اللوامة، يقول تعالى: (لا أقسم بالنفس اللوامة)(القيامة-2).

بعد نزول القرآن بنحو أربعة عشرة قرنا من الزمن  جاء سيغموند فرويد (1856-1939Sigmund Freud/) طبيب ومفكر نمساوي مؤسس التحليل النفسي الذي يقوم على مسلمة أساسية وهي كون النفس الإنسانية تتكون من الشعور ومن اللاشعور وهو جزء من النفس لا تعيه الذات، وأن الجانب الشعوري ليس إلا الجانب الظاهر من البنية النفسية. من مؤلفاته: تأويل الأحلام، /18991900. ثلاثة دراسات حول الجنس، 1905. ومدخل إلى التحليل النفسي، 1917.

يؤسس فرويد لنظرية نفسية تربط الأفعال النفسية الواعية بدوافع دفينة ولا شعورية. فقد قادته ملاحظاته العيادية، وقراءاته الشخصية وتشخيصه لنفسيته، إلى التأكد من مشروعية فرضية وجود منطقة لا واعية في الحياة النفسية.

ويؤكد فرويد على أن أفعالنا ليست كلها صادرة عن وعينا وإرادتنا الحرة، بل إن جزءا كبيرا منها يرجع إلى اللاشعور، أي إلى تلك الحياة النفسية اللاواعية التي ترتبط بتاريخ الفرد منذ طفولته المبكرة. 

فاللاوعي أو اللاشعور هو ذلك الجانب الخفي من النفس الذي يضم صورا ورغبات دفينة ومكبوتة. أي تلك الميول والدوافع التي تم كبحها ولم تتمكن من تحقيق الإشباع المباشر بالنظر إلى تعارضها مع مبدأ الواقع، أي مع قيم المجتمع وعاداته وأعرافه.

ويحلل فرويد بنية النفس الإنسانية بتقسيمها إلى ثلاث تشكيلات أو مواقع: (الهو) وهو موطن الغرائز والدوافع والحاجات وهو منطقة لا تخضع للمنطق أو لمقتضيات العقل. أما (الأنا) فهو حصيلة الصراع بين (الهو) وبين (الأنا الأعلى) المثالي المجسد للقيم والمثل، ف(الأنا) هو جماع الشخصية وحصيلة توازنها.

يقدم فرويد تصورا ديناميا للشخصية باعتبارها جماع صراع بين الغرائز (الهو) والمثل الأخلاقية (الأنا الأعلى) وضغوط الواقع الاجتماعي. ف(الأنا) هو من جهة نتاج للتوازن والتوفيق بين هذه القوى مثلما هو أداة تحقيق هذا التوازن والتوفيق. فوحدة الشخص، هنا، وحدة دينامية عسيرة ولا متناهية التحقيق.

ف(الأنا) يمثل عند فرويد المستوى الواعي الإدراكي في الحياة النفسية الذي طرأ عليه تعديل بحكم تأثره بالعالم الخارجي. ووظيفة الأنا تكمن في التحكم في المستوى الإدراكي والحركي، وتمثيل العالم الخارجي. ف(الذات) عنده حالة تشبه ما يسمى بالنفس المطمئنة في القرآن.

بينما (الهو) يشكل البعد الغريزي الطبيعي في الشخصية. أي مجموع الدوافع الحيوية الغريزية اللاواعية الكامنة لدى الفرد في عمق النفس والتي تتطلب إشباعا مباشرا للحاجات العضوية والنفسية. وعالم الهو عالم مبهم يسوده منطق الإشباع واللذة وليس مبدأ الواقع. ف(الهو) عنده حالة تشبه ما يسمى بالنفس الأمارة بالسوء في القرآن.

أما (الأنا الأعلى (فهو مجموع القيم والمثل الأخلاقية التي يتعلمها الفرد من المجتمع ونظامه الأخلاقي والتي تضغط باستمرار على بنيته النفسية ليستجيب لها. ف(الذات العليا) عنده حالة تشبه ما يسمى بالنفس المطمئنة في القرآن.[1]

لقد ميز فرويد في نظرية الشخصية بين ثلاثة أقسام للنفس (الهو-الذات-الذات العليا)، ونلمس في بعض وظائفها بعض أوجه الشبه بمفاهيم النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة الواردة في القرآن، وإن كانت توجد أيضا اختلافات كبيرة بين هذه المفاهيم الثلاثة للنفس في القرآن، وبين أقسام النفس الثلاثة في نظرية فرويد.

فمفاهيم النفس; (الأمارة بالسوء)، و(النفس اللوامة)، و(النفس المطمئنة)، حالات مختلفة تتصف بها النفس أثناء صراعها الداخلي بين الجانب المادي والجانب الروحي في شخصية الإنسان، وهي ليست أقساما مختلفة للنفس، كما أنها لا تتكون أثناء مراحل نمو معينة يمر بها الإنسان، لقوله تعالى: (ونفس وما سواها، ألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دسها)(الشمس: 7-10). ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلاثة للنفس، وهي النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة على أنها حالات تتصف بها شخصية الإنسان في مستويات مختلفة من الكمال الإنساني التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي، بين الجانبين المادي والروحي من طبيعة تكوينها لقوله تعالى: (فأما من طغى، وآثر الحياة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى)(النازعات:37-40).

أما مفاهيم (الهو) و(الأنا/الذات) و(الأنا الأعلى/الذات العليا)، فهي في نظرية فرويد أقسام مختلفة للنفس، كما أنها تتكون في مراحل مختلفة من نمو الطفل ف(الهو) هو نفس الطفل عقب ميلاده مباشرة إذ يكون الطفل واقعا كليا تحت تأثير متطلباته الغريزية، ثم تحت تأثير العالم الخارجي يبدأ يتكون من (الهو) جزء متميز عنه هو ( الأنا)، وهو الذي يقوم بالتحكم في الغرائز المنبعثة من (الهو)، مراعيا مقتضيات الواقع والعالم الخارجي.[2]   

 

 


[1] مباهج الفلسفة مقرر مدرسي للسنة الأولى والثانية بكالوريا.

[2] آيات الحقائق العلمية في القرآن الكريم ومنهج العلماء في تفسيرها، بحث لنيل الإجازة في الدراسات الإسلامية، اعداد امصنصف كريم، 2004م، ص: 12-14، بالتصرف.

 


التربية والتعليم من النفق إلى الأفق

 

التربية والتعليم: كارثتنا المقبلة:

 أؤمن بشكل قاطع أن أحد أسباب الانهيار التي يمكن أن تؤثر في أي دولة في العالم هي كارثة التعليم، والتي ترتبط بالتبعية بالأطفال، الذين هم من المفترض البناء الذي ترتكز عليه الدولة في تقدمها، والقادرون على صناعة الفارق في المستقبل، فإن فسد الطفل، فسدت الأمة تمامًا (1).

الأسلوب الأمثل للتربية يناسب 12% فقط من أطفال العالم:

 أُجريت معظم الأبحاث عن التربية ونمو الطفل في الغرب – خصوصًا في أمريكا الشمالية وشرق أوروبا. لقد أجراها باحثون غربيون يدرسون أطفالًا غربيين لهم آباء غربيين. لكن 12بالمئة فقط من أطفال وآباء العالم يعيشون في الغرب. ولم تتم دراسة الأغلبية العظمى من العائلات في المساحات الشاسعة من العالم بعد. ما يعرفه الباحثون حاليًا وما يُقدم كـ«الأسلوب الأمثل للتربية»، يمكن افتراض أنه يتحدث عن عدد صغير من البشر فقط.

 تشير الأبحاث التي أجريت في أماكن أخرى من العالم إلى أن السياق الثقافي يعد من الاعتبارات الهامة عندما يتعلق الأمر بالتربية ونمو الطفل. وبينما تعد بعض جوانب «التربية الجيدة» عالمية (جملة غير مفهومة)، تبدو الجوانب الأخرى مختلفة جدًا من بلد إلى بلد (2).

سلاح سد الفجوة البحثية:

 توجيه ابنك إلي التعليم الإلكتروني وإقناع ابنك أن ما يتعلمه في المدارس الآن ليس إلا مجرد إضاعة للوقت، نعم كما تسمعني سيدي ما أقوله لك الآن ليس لهدم التعليم ولكن إخراج جيل كامل يؤمن بأن ما يقدَّم له من محتوى دراسي في مدارسه محتوى ركيك يهدف إلى مجرد إضاعة الوقت ليس إلا. حينها سيتمكن هذا الجيل من إصلاح تعليمه بنفسه، سيتمكن من إجبار بلاده على إدخال المحتويات القيِّمة التي تهدف إلى التعلم المفيد وليس إضاعة الوقت (3).

 )مع كريمكناس79 نلتقي لنرتقي من النفق إلى الأفق).

المنصات العربية للتعليم عن بعد مجانا:

 المنصات العربية للتعليم عن بعد مجانا تخولك الحصول على شهادة انهاء المساق ومن أهمها: (4)

1. منصة زادي، رابط الموقع:

 https://zadi.net
2. منصة رواق، رابط الموقع:

 https://www.rwaq.org
3.  منصة إدراك، رابط الموقع:

 https://www.edraak.org
 4. منصة مهارة، رابط الموقع:

 https://www.maharah.net
 5. منصة ندرس، رابط الموقع:

 https://www.nadrus.com
 6. أكاديمية العمل الحر، رابط الموقع:

 https://foacademy.com

___________________________
 1. التربية والتعليم: كارثتنا المقبلة معاذ أحمد يوسف 06/08/2016 موقع اضاءات.
 2. الكاتب نيكولا داوسون متخصصة بعلم النفس – الصحة العقلية للطفل، جامعة ويتواترسراند. المصدر The Conversation 11/01/2016 مترجم نقلا عن موقع اضاءات .10/07/2016

 3. كيف تُعد ابنك للحرب الحسيني رمضان 21/09/2016 موقع إضاءات

 4.نقلا عن موقع karimeknes79.simplesite.com .